(نسخة مصوّرة بجودة عالية بصيغة Pdf / عدد الأوجه : 10 / مقاس : 9.5*21 سم ) | |
التفريغ النصّي للمطويّة :
الحمد لله الذي حث عباده على الجود والإنفاق، وضمن لهم ما يحتاجونه من الأموال والأرزاق، والصلاة والسلام على من عم جوده وعطاءه الآفاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التلاق. أخي المسلم: صح عن النبي أنه قال: { لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيم علم } [الترمذي وحسنه الألباني]. فهل حاسبت نفسك – أخي المسلم – عن مالك، من أين اكتسبته، وفيم أنفقته؟ هل اكتسبته من حلال وأنفقته في حلال؟ أم اكتسبته من حرام وأنفقته في حرام؟ أم اكتسبته من حلال وأنفقته في الحرام؟ واعلم – أخي المسلم – أن المال سبب موصل إما إلى الجنة وإما إلى النار، فمن استعان به على طاعة الله، وأنفقه في سبل الخيرات، كان سببا موصلا إلى رضوان الله والفوز بالجنة، ومن استعان به على معصية الله، وأنفقه في تحصيل شهواته المحرمة، واشتغل به عن طاعة الله، كان سببا في غضب اله عليه واستحقاقه العقاب الأليم. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34]. وأخبر سبحانه أن من أنفق ما له في الصد عن سبيل الله، فسوف يلحقه الخزي والندامة يوم القيامة، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36]. وقال سبحانه عن القسم الأول الذين استعانوا بالمال على طاعة الله وأنفقوه في مرضاته: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:29-30]. وعن أبي ذر قال: أتيت رسول الله وهو في ظل الكعبة فقال: { هم الأخسرون ورب الكعبة } قالها ثلاثاً قال أبو ذر: فأخذني غم، وجعلت أتنفس وقلت: هذا شر حدث في، فقلت: من هم – فداك أبي وأمي -؟ قال: { الأكثر ون أموالا، إلا من قال في عباد الله هكذا وهكذا وقليل ما هم ما من رجل يموت فيترك غنما ا, إبلا أو بقرا لا يؤدي زكاتها إلا جاءته يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمن حتى تطأه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، حتى يقضي الله بين الناس ثم لا تعود أولاها على أخراها } [متفق عليه]. وعن أبي هريرة عن النبي أنه قال: { ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبهته وجنبه وظهره، كلما بردت أعيدت إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار } [مسلم]. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله أنه قال: { من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته، مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه – يقول: أنا مالك.. أنا كنزك } [البخاري]. الكنز في الإسلام ليس الكنز في الإسلام هو المال الكثير، ولكنه المال الذي لم تؤد زكاته. قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ما كان من مال تؤد زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونا، وما ليس مدفونا لا تؤدي زكاته، فإنه الكنز الذي ذكره الله تعالى في كتابه. فريضة الزكاة وأهدافها أخي المسلم: اعلم أن الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة، قال النبي { بني الإسلام على خمس } فذكر منهن: { إيتاء الزكاة } [متفق عليه]. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس أحد يؤتي زكاة ماله إلا سأل الرجعة عند الموت، ثم تلا قوله تعالى: وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ، وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:10-11]. قال ابن الجوزي: وينبغي للمتيقظ أن يفهم المراد من الزكاة، وذلك ثلاثة أشياء: أحدها: الابتلاء بإخراج المحبوب. والثاني: التنزه عن صفة البخل المهلك. والثالث: شكر نعمة المال، فليتذكر إنعام الله عليه إذ هو المعطى لا المعطي! ويزاد على ما ذكره ابن الجوزي ما يلي: 1- إعانة الضعفاء وكفاية ذوي الحاجة وقضاء الدين عن أهله. 2- تقوية روح الجماعة بين أفراد المجتمع والتخلص من الإفراط ف حب الذات. 3- نشر المحبة والألفة بين أفراد المجتمع وعدم شعور الفقراء بالحقد على الأغنياء أو حسدهم. 4- الحفاظ على الدولة الإسلامية وحماية حوزة المسلمين عن طريق تقوية الجيوش والإنفاق على الجهاد والمجاهدين. الحث على الصدقة أخي المسلم الحبيب: رغب الإسلام في الصدقة، والعطف على الفقراء، ومواساة أهل الحاجة والمسكنة، ورتب على ذلك أعظم الأجر عند الله تعالى يوم القيامة. فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله نظر إلى رجل يصرف راحلته في نواحي القوم فقال: { من كان عنده فضل من ظهر – أي مركوب- فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل من زاد، فليعد به على من لا زاد له } قال ابن مسعود: حتى رئينا أنه لا حق لأحد منا في فضل !! [مسلم]. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله { من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربى أحدكم فلوه – أي مهره – حتى تكون مثل الجبل } [متفق عليه]. وبين النبي أن الصدقة تظل العبد يوم القيامة وتحول بينه وبين حر الشمس حينما تدنو من الرؤوس. فعن عقبة بن عامر عن النبي له قال: { كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس } [أحمد والحاكم وصححه الألباني]. وبين النبي أن أجر الصدقة يقع مضاعفا إلى سبعمائة ضعف يوم القيامة، فعن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال: رسول الله { لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة } [مسلم]. والصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء، فعن أنس قال: قال رسول الله : { أن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء } [الترمذي وقال: حسن غريب]. وأخبر النبي أنه قال: { لا يخرج أحد شيئا من الصدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطانا } [أحمد وابن خزيمة وصححه الحاكم والألباني]. وأخبر الله سبحانه وتعالى أن الصدقة زكاة وطهارة للمسلم، حيث تزكو نفسه وترتفع عن أخلاق السفلة من الشح والبخل ولأثرة وغيرها قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم [التوبة:103]. وبين رسول الله أن الصدقة لا تنقص المال، بل تزده بما يحصل فيه من بركة الإنفاق والعطاء، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { ما نقصت من مال.. الحديث } [مسلم]. إخواني: إنما يحسن البكاء والأسف على فوات الدرجات العلا والنعيم المقيم لما سمع الصحابة رضي الله عنهم قول الله عز وجل: فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [آل عمران:133]، فهموا من ذلك أن المراد أن يجتهد كل واحد منهم، حتى يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة، والمسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية، فكان أحدهم إذا رأي من يعمل للآخرة أكثر منه نافسه وحاول اللحاق به بل مجاوزته، فكان تنافسه في درجات الآخرة، واستباقهم إليها كما قال تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]. أما نحن فعكسنا الأمر، فصار تنافسنا في الدنيا الدنية وحظوظها الفانية. قال الحسن: إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة!! وقال وهيب بن الورد: إذا استطعت أن لا يسبقك أحد فافعل. وقال عمر بن عبدالعزيز في حجة حجها عند دفع الناس من عرفة: ليس السابق اليوم من سبق به بعيره، إنما السابق من غفر له. الله أكبر ! أين التنافس إلى الطاعات؟ أين التسابق في الخيرات؟ أين بذل الزكاة والصدقات؟ أين أصحاب الهمم والعزمات؟ آداب المزكي والمتصدق أخي المسلم الموفق: اعلم أن الإنفاق يشمل الزكاة المفروضة، والصدقة النافلة، والإيثار والمواساة للإخوان، وينبغي على المزكي والمتصدق مراعاة ما يلي: 1- إصلاح النية: فينبغي للمتصدق أن يصلح نيته، فيقصد بالصدقة وجه الله عز وجل، فإنه إن لم يقصد وجه الله، وقد بها رياء وسمعة لم تقبل منه، وعوقب على ذلك أيضا. 2- تخير الحلال: فعن ابن عمر رضي الله عنه، عن رسول الله أنه قال: { لا يقبل الله صدقة من غلول } [مسلم]. 3- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا } [مسلم]. 3- تخير الأجود: قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة:267]. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كان أبو طلحة أكثر أنصاري المدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء – أرض بالمدينة – وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت هذه الآية: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله! إن الله تعالى يقول: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها حيث أراك الله، فقال رسول الله : {بخ ذاك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين }، قال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. [متفق عليه]. وعن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه عز وجل، قال نافع: وكان بعض رقيقه قد عرفوا ذلك منه، فربما شمر أحدهم فلزم المسجد، فإذا رآه ابن عمر على تلك الحالة الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: يا أبا عبدالرحمن! والله ما بهم إلا أن يخدعوك، فيقول ابن عمر لهم: من خدعنا بالله انخدعنا له !! وعن سعيد بن هلال أن ابن عمر رضي الله عنهما نزل الجحفة وهو مريض فاشتهى سمكا، فلم يجدوا إلا سمكة واحدة، فلما قربت إليه أتى مسكين حتى وقف عليه، فقال له ابن عمر خذها، فقال له أهله: سبحان الله! قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه. فقال: إن عبدالله يحبه!! وقف سائل على باب الربيع فقال: أطعموه سكراً فقالوا: ما يصنع هذا بسكر؟ نطعمه خبزا أنفع له. قال: ويحكم أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر!! 4- تقديم الأقرباء: فمن الآداب أن يقدم المتصدق ذوي الحاجة من أقربائه وذوي رحمه، فقد أمر رسول الله أبا طلحة بذلك كما في الحديث السابق. وقال رسول الله : { الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة } [أحمد والترمذي والنسائي وصححه الالباني]. 5- تحري أهل الدين: وعلى المتصدق أن يتحرى بصدقته أهل الدين الذين يستعينون بهذه الصدقة على طاعة الله، ولا ينفقونها في معصيته فيكون معاونا لهم على المعصية والإثم. 6- إسرار الصدقة: وعلى المتصدق أن يسر صدقته ما استطاع، إلا إذا كان في إعلانها مصلحة راجحة، فقد قال الله سبحانه: إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ [البقرة:271]. وذكر رسول الله من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال: { ورجل تصدق بصدقة حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه } [متفق عليه]. 7- إخراج ما سهل وإن قل: ومن الآداب أن يخرج المعطي ما سهل وإن قل، ولا يرد سائلا ولو بأيسر شئ فعن جابر قال: { ما سئل النبي شيئا قط. فقال: لا } [متفق عليه]. وقال الحسن: أدركنا أقواما كانوا لا يردون سائلا إلا بشيء. وأتى سائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعندها نسوة، فأمرت له بحبة عنب، فتعجبن النسوة فقالت: إن فيها ذرا كثيرا !! تتأول قوله تعالى: يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [الزلزلة:7]. 8- ولا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها إذا حال الحول لأنها حق للفقير، ويجوز تقديمها على الحول. 9- وعلى المتصدق أن يتلطف مع الفقير وهو يعطيه، ولا يبطل صدقته بالمن والأذى قال تعالى: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، وقال سبحانه: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:262]. 10- وعلى المسلم أن يعود نفسه الصدقة والعطاء والإيثار ولو كان فقيرا قليل ذات اليد، فقد سئل رسول الله عن أفضل الصدقة فقال: { جهد المقل } أي صدقه الفقير [أحمد والنسائي وأبو داود]. وعن أبي هريرة أن رجلا أتى رسول الله ، فبعث إلى نسائه فقلن: ما عندنا إلا الماء !! فقال ورسول الله { من يضيف هذا؟ } فقال رجل من الأنصار: أن فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله ، فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبيان، فقال: هيئي طعامك، وأصلحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فعلت ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين – أي جائعين- فلما أصبح غد إلى رسول الله ، فقال: { ضحك الله الليلة- أو عجب من فعالكما } فأنزل الله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] [رواه البخاري]. إيثار حتى الموت !! استشهد باليرموك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل ين عمرو، والحارث ين هشام، وجماعة من بني المغيرة، فأتوا بماء وهم صرعى وأتي عكرمة بالماء، فرأى سهيل بن عمرو ينظر إليه، فقال: ابدؤوا بهذا فجيء إلى الحارث بن هشام فإذا هو قد مات، ثم جيء إلى عكرمة فإذا هو قد مات، ثم جيء إلى سهيل بن عمرو فإذا هو قيد مات، فماتوا جميعا قبل أن يشربوا، فمر بهم خالد بن الوليد فقال: بنفسي أنتم!! أخي: كم بينك وبين الموصوفين كما بين المجهولين والمعروفين.. آثرت الدنيا، وآثروا الدين … فتلمح تفاوت الأمر يا مسكين !! أم الفقير فما يخطر ببالك.. فإذا حاء سائل أغلظت له في مقالك، فإن أعطيته فحقيرا يسيرا من رديء مالك. أفضل أوقات الصدقة عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال: { أن تصدق وأنت شحيح صحيح،تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان } [متفق عليه]. صور من إنفاق السلف تركت له الله ورسوله: عن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله أن نتصدق ووافق ذلك عندي مالا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوما قال: فجئت بنصف ما لي. فقال رسول الله : { ما أبقيت لأهلك؟ } قال: أبقيت لهم الله ورسوله !! فقلت: لا أسابقه إلى شيء أبدا [أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح]. رجل واحد يجهز جيشا: وكان عثمان من المنفقين أموالهم في سبيل الله، فعن عبدالرحمن بن خباب قال: شهدت النبي وهو يحث على جيش العسرة، فقام عثمان فقال: يا رسول الله ! علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال: يا رسول الله ! علي ثلاثمائة عير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله قال: فرأيت رسول الله ينزل على المنبر وهو يقول: { ما على عثمان ما فعل بعد هذه.. ما على عثمان ما فعل بعد هذه } [الترمذي وقال: غريب وله شواهد]. يطفئ السراج لئلا يتحرج السائل !! وروي عن سعيد ين العاص أنه كان يعشي الناس في رمضان، فتخلف عنده ذات ليلة شاب من قريش بعدما تفرق الناس، فقال له سعيد: أحسب أن الذي خلفك حاجة؟ قال: نعم! أصلح الله الأمير. قال: فضرب سعيد الشمعة بكمه فأطفأها ثم قال: ما حاجتك؟ قال: تكتب لي إلى أمير المؤمنين أن علي دينا، وأحتاج إلى مسكن وخادم. قال: كم دينك؟ قال: ألفا دينار، وذكر ثمن المسكن والخادم، فقال سعيد: تكفيك مؤونة السفر، اغد فخدها منا. فكان الناس يقولون: إن إطفاء الشمعة احسن من إعطائه المال، لئلا يرى في وجهه ذل المسألة!! بشرى للفقراء قال ابن رجب: وقد كان بعض الصحابة يظن أن لا صدقة إلا بالمال، فأخبره النبي أن الصدقة لا تختص بالمال، وأن الذكر وسائر أعمال المعروق صدقة كما في صحيح مسلم عن أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، فقال رسول الله : { أو ليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة }. تصدق بعض الأغنياء بمال كثير،فبلغ ذلك طائفة من فقراء الصالحين، فاجتمعوا في مكان، وحسبوا ما تصدق به من الدراهم، وصلوا بدل كل درهم تدق به لله ركعة !! هكذا يكون استباق الخيرات، والتنافس في علو الدرجات. فسبحان من فضل هذه الأمة وفتح لها على يدي نبيها أبواب الفضائل الجمة، فما من عمل عظيم يقوم به قوم ويعجز عنه آخرون، إلا وقد جعل الله لمن عجز عملا يساويه ويفضل عليه، فتتساوى الأمة كلها في تحصيل الخيرات ونيل علو الدرجات. مجالات الصدقة أخي المسلم: للصدقة مجالات عديدة جدا يصعب حصرها، ولكن يمكن الإشارة إلى بعض هذه المجالات على سبيل الاختصار: * الإنفاق على الفقراء والمحتاجين وإسقاط الديون عن المدينين. * بناء المساجد والإنفاق عليها وعلى الأئمة والمؤذنين والقائمين عليها. * سقي الماء وحفر الآبار في الأماكن التي لا يصل إليها الماء. * إطعام الطعام وشراء الملابس وتوزيعها. * الإنفاق على طب العلم وشاء الكتب والأدوات الدراسية لهم. * طباعة الكتب والأشرطة الإسلامية وتوزيعها. * توزيع المصحف الشريف على الشعوب الإسلامية في العالم * الإنفاق على حلقات تحفيظ القرآن الكريم ورصد المكافآت للطلاب والمدرسين. * بناء المدارس ودور العلم والمستشفيات. * بناء الملاجئ ودور الأيتام والمسنين والمساكن للغرباء من طلبة العلم وأبناء السبيل. * الصدقة على فقراء الحجاج والمعتمرين والزوار وتوفير الطعام والشراب والمراكب لهم. * الإنفاق على الأرامل والأيتام وكبار السن. * الإنفاق على الجهاد والمجاهدين ودعم المستضعفين من المسلمين في كل مكان. * مساعدة الشباب المسلم على الزواج. * الإنفاق على الدعاة وإرسالهم إلى مشارق الأرض ومغاربها. * رعاية الأقليات المسلمة في العالم، وربطهم بدينهم حتى لا تذوب هويتهم الإسلامية. * تخصيص الأموال للجوائح والعوارض الطارئة كالحرائق والأمراض والكوارث والزلازل والسيول وغيرها. * الإنفاق على مغاسل الأموات التي تقوم بتجهيز الموتى مجاناً. أصحاب الهمم العالية أخي المسلم: صاحب الهمة العالية، والنفس الشريفة لا يرضى بالأشياء الدنية الفنية، وإنما همته المسابقة إلى الدرجات الباقية الذاكية التي لا تفنى، ولا يرجع عن مطلوبه ولو تلفت نفسه في طلبه، ومن كان في الله تلفه، كان على الله خلفه. قيل لبعض المجتهدين في الطاعات: لم تعذب هذا الجسد قال: كرامته أريد! العاقل يغبط من أنفق ماله في سبيل الخيرات ونيل علو المدرجات، والجاهل يغبط من أنفق ماله في الشهوات، وتوصل إلى اللذات والمحرمات. العالي الهمة يجتهد في نيل مطلوبه، ويبذل ماله في الوصول إلى رضا محبوبه، فأما خسيس الهمة فأجتهاده في متابعة هواه، ويتكل على مجرد العفو، فيفوته – إن حصل له العفو – منازل السابقين. قال بعض السلف: هب أن المسيء عفي عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين؟! فيا مذنبا يرجو من الله عفوه أترضى بسبق المتقين إلى الله؟! وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. المصادر: الحدائق لابن الجوزي. عدة الصابرين لابن القيم. الفوائد لابن القيم. لطائف المعارف ابن رجب. (مصدر التفريغ : موقع كلمات – قسم الدعوة و التربية) |
التصنيفات: T2, الزكاة و الصدقة, دار الوطن