(نسخة مصوّرة بجودة عالية بصيغة Pdf / عدد الأوجه : 8 / مقاس : 9.5*21 سم ) | |
التفريغ النصّي للمطويّة :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد: فلقد اصطفى الله جل وعلا ولد إسماعيل من ذرية آدم، واختار كنانة من ولد إسماعيل، واختار قريشاً من كنانة، واختار بني هاشم من قريش، واصطفى محمداً وخاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخرين.. واصطفى الله جل وعلا جبريل عليه السلام ليكون الروح الأمين، والمبلغ عن رب العالمين، قال تعالى: واصطفى الله تعالى دين الإسلام ليكون الدين عنده، ولن يقبل من أحد ديناً سواه.. واصطفى الله تعالى القرآن ليكون أفضل كتبه وأكملها، والمهيمن عليها: وهكذا.. يصطفي الله تعالى ما يشاء مما يشاء لحِكَمٍ يعلمها سبحانه.. وأما في دين الإسلام فقد فضلت الصلاة على سائر العبادات خلا التوحيد.. واصطفاها الله تعالى لتكون الفيصل بين الإيمان والكفر.. { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر } [رواه الترمذي وغيره].. و { بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة } [رواه مسلم]. ولذا فلم تكن الكيفية التي فرضت بها الصلاة كسائر العبادات؛ بل عرج بالنبي وخُصت صلاة الفجر بمزيد من الفضل، وحُفّت بجزيل الثواب والأجر.. فهي محك الإيمان، وعلامة التسليم والإذعان.. يتمايز فيها المؤمن من المنافق، قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا الظن به ) [رواه الطبراني وابن خزيمة]. رتب الشارع الحكيم على المحافظة عليها أجوراً لم ينلها غيرها.. فصاحب صلاة الفجر محاط بالفضائل، ومبشر بعظيم البشائر.. فمنذ خروجه من بيته لأداء الصلاة والبشائر تنهال عليه من كل جانب.. قال عليه الصلاة والسلام: { بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة } [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني]. وإذا أدى سنة الفجر فهي خير من الدنيا وما فيها. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله وحين يجلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة مادامت الصلاة تحبسه، { ومن جلس ينتظر الصلاة صلّت عليه الملائكة، وصلاتهم اللهم اغفر له اللهم ارحمه } [رواه أحمد]. حتى إذا ما أقيمت الصلاة وشرع في أدائها فيا للفوز والأجر، ويا لعظيم الفضل وجليل البُشر.. هاهو يقف بين يدي الله وتشهد له ملائكة الله، قال تعالى: عن أبي هريرة وقال وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله ويرجى لمن حافظ عليها وعلى صلاة العصر الفوز برؤية الجبّار جلّ وعلا، فعن جرير بن عبدالله قال الحافظ ابن حجر: ( قال العلماء: ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند الرؤية، أن الصلاة أفضل الطاعات، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من اجتماع الملائكة فيهما، ورفع الأعمال، وغير ذلك، فهما أفضل الصلوات، فناسب أن يجازي المحافظ عليهما بأفضل العطايا، وهو النظر إلى الله تعالى.. ). وعن عثمان بن عفان ولا ينقطع الفضل بانقضاء الصلاة، ولا ينتهي بانتهائها.. لكنه ما يزال في أجر عظيم وفضل كبير، تحيطه عناية الله، وتستغفر له ملائكة الله.. فعن علي فإذا ما قويت عزيمته، وغلب نفسه، وجلس حتى تشرق الشمس فقد فاز بأجر حجة وعمرة.. فعن أنس بن مالك ولا تزال البشائر تتوالى عليه، ولا يزال حفظ الله مبذولاً إليه.. فعن جندب بن عبدالله الله أكبر.. أرأيتم كم للمحافظ على هذه الصلاة من خير وفضل.. وكم يضيع المتخلف عن صلاة الفجر من عظيم الأجر.. نعم.. إنه لا يحرم من هذا الفضل إلا محروم.. ويا ليت الأمر ينتهي عند التفريط في الفضل، والحرمان من الأجر؛ ولكن يترتب على التهاون في الصلاة مزالق عظيمة، وعواقب وخيمة.. فعن سمرة بن جندب وفي رواية قال: { يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة } [رواه أحمد]. نعوذ بالله من شديد غضبه، وأليم عقابه.. ثم إن التهاون في أداء الصلاة مع الجماعة من علامات النفاق.. صلّى النبي وفي الصحيحين عن أبي هريرة وذُكر عند النبي والأخطر من ذلك أن من أهل العلم من يرى أن من تخلف عن صلاة الفجر حتى يخرج وقتها متعمداً فقد كفر – استناداً على ما ورد من الأحاديث.. وبغض النظر عن رجحان هذا القول من عدمه، ولكن يكفينا شدة أن نعلم أن العلماء قد اختلفوا في ذات إسلام من فرط في صلاة الفجر عامداً حتى يخرج وقتها. نسأل الله تعالى العفو والعافية.. أخي الكريم: أين أنت من هؤلاء؟. عن برد مولى سعيد بن المسيب قال: ( ما نودي بالصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد ). وقال وكيع بن الجراح عن الأعمش سليمان بن مهران: ( كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى ). وقال محمد بن المبارك الصوري: ( كان سعيد بن عبدالعزيز التنوخي إذا فاتته صلاة الجماعة بكى ). وروي عن محمد بن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة فكان إذا نودي بالصلاة يُحمل على ظهر رجل، فقيل له: لو خففت على نفسك؟ قال: ( إذا سمعتم حي على الصلاة ولم تروني في الصف فأطلبوني في المقبرة ). وسمع عامر بن عبدالله بن الزبير المؤذن وهو يجود بنفسه فقال: ( خذوا بيدي )، فقيل إنك عليل، قال: ( أسمع داعي الله فلا أجيبه؟! ) فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات. أخي الكريم.. إن من تأمل حال الناس اليوم ليحزن من تهافتهم وراء الدنيا، وزهدهم في مرضاة الله وجنته.. فتجد المنادي ينادي ( الصلاة خير من النوم ) فلا تسمع إلا الهدوء والسكون، ولا تكاد ترى أحداً.. ولكن بعد ساعات قلائل، حين تأتي مشاغل الدنيا ويحين وقت العمل ينقلب الهدوء إلى ضجة لا تنقطع، والسكون إلى حركة لا تنتهي، فسبحان الله! وصدق سبحانه حين قال: أخي الكريم.. ها قد بانت لك الأمور، وقامت عليك الحجة.. وعلمت أن المحافظة على هذه الشعيرة العظيمة سبيل لرفعة الدرجات وتكفير السيئات، والتفريط فيها من أسباب التردي والانزلاق في الدركات.. وهي ولا شك تحتاج إلى جهد ومجاهدة.. فاحذر أن تغلبك نفسك، ويقوى عليك شيطانك.. فقد حُفت الجنة بالمكاره وحُفت النار بالشهوات.. وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وتنبه قبل أن تأتي ساعة تندم فيها ولآت ساعة مندم.. وتفقد أهل بيتك وأرحامك، وجيرانك وأحبابك؛ فقد كان قدوتك وتذكر أن الراحة الحقة حين تضع قدميك في دار الكرامة وتنجو من دار العقاب والمهانة، وليست في إيثار نومة زائلة أو لذة عابرة.. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لمرضاته، وأن يكتب لنا الحسنى وزيادة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه. (مصدر التفريغ : موقع كلمات – قسم الدعوة والتربية) |
التصنيفات: T2, الصلاة, دار القاسم